في ولاية بنزرت، وخاصة على سواحلها الشرقية مثل رأس الجبل، الماتلين، كاب زبيب، رفراف، وغار الملح، يحتل موسم صيد سمك الزميمرة أو "الشاوري" مكانة خاصة بين الأهالي، حيث يُعدّ من أبرز الفترات التي تميز النشاط البحري والغذائي في الجهة. يُعرف هذا السمك علميًا باسم Spicara maena، ويُسمى بالفرنسية Mendole، فيما يُطلق عليه في بعض المناطق الأخرى اسم "الزرقة".
يتوفر سمك الزميمرة بكثرة خلال شهري مايو ويونيو، تزامنًا مع موسم جني التوت، ما جعل من الجمع بين "الشاوري والتوت" عادة شهيرة في بنزرت والمناطق المجاورة. ويرتبط استهلاكه بطقوس شعبية تتمثل في شوائه أو قليه، كما يتم تحضيره في أطباق تقليدية مثل الكسكس البحري، وفي بعض الأحيان يتم تجفيفه تحت أشعة الشمس بطريقة تقليدية للاستهلاك لاحقًا.
خصائص سمك الزميمرة
الزميمرة من الأسماك القاعية الصغيرة الحجم، حيث يتراوح طولها بين 12 و20 سنتيمترًا. يتميز بلونه الفضي الرمادي مع بقعة سوداء مستطيلة على جانبيه، ما يجعله سهل التمييز. يجدر بالذكر أن الزميمرة ينتمي إلى عائلة الأسماك المعروفة باسم Centracanthidae، والتي تضم عدة أنواع أخرى متقاربة الشكل مثل سمك السبيقري (Spicara flexuosa).
هذا النوع متواجد بكثرة في البحر الأبيض المتوسط ويمتد انتشاره حتى السواحل الشرقية للمحيط الأطلسي، مثل السواحل المغربية والبرتغالية.
من الخصائص البيولوجية الفريدة للزميمرة أنه يولد أنثى ويظل كذلك لمدة عامين تقريبًا قبل أن يتحول إلى ذكر مع بداية ظهور لون أزرق خفيف على جسده. هذه الظاهرة الطبيعية تُعرف بتغير الجنس، وهي وسيلة لضمان استمرار النوع وتوزيع الأدوار البيولوجية بين الأفراد.
خلال فترة التزاوج، والتي تمتد عادة من منتصف مايو إلى منتصف يونيو، تتجمع الذكور الناضجة في مجموعات على أعماق تتراوح بين 35 و50 مترًا فوق الحشائش البحرية (بوزيدونيا)، حيث تهيئ أماكن مخصصة للإناث لوضع البيوض.
الزميمرة والتراث المحلي
ارتبطت الزميمرة بالتراث الغذائي والثقافي لولاية بنزرت منذ القدم. وقد نظمت بعض المدن الساحلية مثل كاب زبيب مهرجانات احتفالية خاصة بموسم هذا السمك، احتفاءً بموسم وفير يجمع بين النشاط البحري والأطباق التقليدية الغنية بالمذاقات الأصيلة.
يُصنف سمك الزميمرة ضمن قائمة الأسماك البيضاء، إذ يحتوي على نسبة عالية من البروتينات مقابل نسبة منخفضة من الدهون، ما يجعله خيارًا غذائيًا صحيًا ومحبوبًا لدى العائلات في المنطقة.
أهمية المحافظة على هذا المورد البحري
يمثل الزميمرة جزءًا مهمًا من الثروة السمكية المحلية التي يجب المحافظة عليها لضمان استمراريتها للأجيال القادمة. فإلى جانب قيمته الغذائية، يحمل هذا النوع من الأسماك رمزية ثقافية ترتبط بنمط الحياة الساحلي والهوية المحلية لأهالي ولاية بنزرت.